أعلن قادة الإمارات والبحرين في سبتمبر 2020 عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فأثاروا مفاجأة عالمية. ثم لحقت كوسوفو والسودان والمغرب، لتتجسد روح جديدة قاسية القلب وتتجاهل مآسي الجيران في الشرق الأوسط، مع توقيع اتفاقيات أبراهام في البيت الأبيض.
يوضح هذا التقرير، الذي كتبه أليسون ماينور ودانيال شابيرو وأمير حايك ولؤي الشريف وأحمد خزيعي وسارة الزعيمي، أنّ الأعوام الخمسة الماضية حملت تغيرات عميقة: تصاعد التنافس بين القوى الكبرى، إعادة النظر في دور الولايات المتحدة، تسارع الابتكارات التكنولوجية، تحولات الصراع بين إيران وإسرائيل والخليج، والتغيرات السياسية في المنطقة، وصولاً إلى 7 أكتوبر والحرب في غزة.
ويرى التقرير أن هذه التحولات دفعت إلى إبراز قيمة الشراكات الإقليمية الجديدة، وفتحت نافذة نحو تعاون اقتصادي وتقني يعزز إمكانات النمو، ويمنح الولايات المتحدة منصة لإعادة صياغة علاقاتها بالمنطقة بعيداً عن "الحروب الأبدية" ونحو شراكات قائمة على الازدهار المشترك. لكنّ التطورات الأخيرة، خصوصاً حرب غزة ومخاوف الانتقام الإيراني، أضعفت الزخم تلذي يراه التقرير على أنه إيجابي.
ومع ذلك، يشير التقرير الصادر عن أتلانتيك كآونسل إلى أنّ الاتجاهات العالمية والإقليمية الكبرى ما زالت تميل نحو التكامل، وأنّ إنهاء حرب غزة بشكل مستدام والتوصل إلى تسوية للملف النووي الإيراني شرط أساسي لبداية حقبة جديدة من خفض التصعيد.
تؤكد المقالات المجمعة أنّ التغيير المنشود عبر اتفاقيات أبراهام مشروع طويل المدى. في المغرب، يصف الكُتّاب كيف نظر الملك محمد السادس إلى الاتفاقات كوسيلة لبناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً للأجيال المقبلة، فيما يشير لؤي الشريف إلى أنّ التبادل الاقتصادي والثقافي بين إسرائيل وجيرانها يتجذر بعمق حتى قبل الاتفاقات.
يرى دانيال شابيرو، السفير الأميركي السابق في تل أبيب، أنّ إحياء "منتدى النقب" بعد الحرب يشكل أولوية لإعادة إطلاق مشاريع التعاون المتعدد الأطراف في مجالات الأمن، الطاقة، التعليم، المياه، والسياحة. ويعتبر أنّ تحويل المنتدى إلى منصة مؤسسية إقليمية شبيهة بتجربة رابطة "آسيان" قد يقلل فرص اندلاع الحروب مستقبلاً.
من الجانب الإسرائيلي، يصف أمير حايك الاتفاقات بأنها "ماراثون لا سباق قصير". ورغم العواصف الأمنية والسياسية، أظهرت العلاقات مع الإمارات والمغرب والبحرين قدرة على الصمود، مدفوعة بمصالح اقتصادية وتجارية هائلة تجاوزت 3 مليارات دولار في التبادل التجاري بين إسرائيل والإمارات العام الماضي. يضيف حايك أنّ الأمن الحقيقي لا ينبع من القوة العسكرية وحدها، بل من شبكة حلفاء وشركاء إقليميين.
في الإمارات، يرى لؤي الشريف أنّ الاتفاقات أعادت إحياء حلم أنور السادات بسلام شعبي يتجاوز المعاهدات الرسمية. يشير إلى أنّ الطائرات بين أبوظبي وتل أبيب امتلأت برجال أعمال وسياح، وأنّ الشركات الإسرائيلية والإماراتية نسجت شراكات اقتصادية واسعة قبل أن تحاول هجمات حماس في أكتوبر 2023 إفشال مسار التطبيع مع السعودية. ومع ذلك، يظلّ قادة الإمارات ملتزمين بالتوازن بين دعم الفلسطينيين والحفاظ على مسار السلام.
أما في البحرين، فيوضح أحمد خزيعي أنّ المنامة وجدت نفسها مضطرة إلى الموازنة بين المشاعر الشعبية المؤيدة لفلسطين وبين مصالحها الاستراتيجية. فرغم تصاعد الاحتجاجات الداخلية بعد حرب غزة، حافظت القيادة البحرينية على التزاماتها في الاتفاقات، مع استخدام العلاقات الجديدة لتقوية مكانتها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة، ولتعزيز موقعها كمركز مالي ودبلوماسي.
وفي المغرب، تصف سارة الزعيمي الاتفاقات كجزء من استراتيجية العرش لضمان انتقال سلس للسلطة إلى ولي العهد مولاي الحسن. فإعادة العلاقات مع إسرائيل لم تكن مجرد خطوة دبلوماسية، بل رهان على الاتفاقيات تضع المغرب في قلب تحالفات جديدة مع الغرب والخليج، وتدعم الموقف المغربي في نزاع الصحراء الغربية. رغم تراجع التأييد الشعبي للتطبيع بسبب حرب غزة، تستمر الدولة في توظيف هذه الشراكة لتعزيز قدراتها العسكرية والدبلوماسية.
ومن المفارقات، أنه في ظل توحش الكيان الصهيوني وتجرأه على تنفيذ عمليات بأول دولة عربية ـ قطر ـ دول عربية خلص التقرير إلى أنّ الاتفاقيات تصنع شرق أوسط أكثر تكاملاً وتسامحاً وازدهاراً، حيث يصبح التعاون المتعدد الأطراف ضرورة استراتيجية لا ترفاً سياسياً.
https://www.atlanticcouncil.org/in-depth-research-reports/issue-brief/the-abraham-accords-at-five/